في سويسرا.. الشعب هو الذي يُقرر ما إذا كان بإمكان الدولة جمع الضرائب
في الرابع من مارس 2018، سيقرر الشعب السويسري ما إذا كان سيمنح السلطات الفدرالية مُجددا صلاحية الإستمرار في تحصيل ضريبتين مهمتين يشكلان المصدر الرئيسي لدخلها. ويأتي هذا التصويت كحلقة في سلسلة تاريخ يمتد على أكثر من 100 عام من النظام الفدرالي واستخدام آليات الديمقراطية المباشرة في سويسرا.
ربما كان هذا الحدث مُستغربا في الخارج، أما في سويسرا، فطبيعي جدا أن تكون للشعب السلطة ليسمح أو لا للحكومة بفرض ضريبة ما، وبأن يبت أيضا في معدلها وتعريفتها.
لا شك في أن السيادة الشعبية متأصلة في النظام السويسري للديمقراطية المباشرة، وما الضريبة الفدرالية المباشرة وضريبة القيمة المضافة، اللتان هما من صلب "النظام المالي الجديد لعام 2021"، المطروح للإستفتاء الشعبي في الرابع من مارس المقبل، إلا مثالين نموذجيين على كيفية اشتغال هذا المبدإ عمليا..
منذ البداية، كان مُتعيّنا على كلتا الضريبتين - اللتين تمثلان حاليا نحو ثلثي الإيرادات الإجمالية للحكومة الفدرالية - اجتياز اختبار صناديق الإقتراع، وعلى مر السنين اضطرتا مرارا إلى مواجهة نفس التحدي، كما أن موعد الرابع من مارس لن يكون التحدي الأخير. وبالفعل، في حال تمخّض التصويت عن الموافقة كما تتوقع استطلاعات الرأي، فسيكون بمثابة تمديد المهلة من عام 2020 إلى عام 2035، وهو ما يعني أن الحكومة الفدرالية ليس لديها تصريح مُطلق لتحصيل الضريبتين إلأى ما لا نهاية.
الضرائب الفدرالية
في أوائل عهد الكنفدرالية السويسرية، التي نشأت في عام 1848، كانت الضرائب المباشرة من اختصاص الكانتونات، بينما تتمول الكنفدرالية من الرسوم الجمركية. بعد الحرب العالمية الأولى، لم يعد هذا المورد كافيا لتغطية الإحتياجات المالية للدولة الفدرالية التي زادت بشكل كبير، لذلك كانت هناك حاجة إلى إيجاد مصدر دخل جديد.
في عام 1915، وافق الشعب السويسري بأكثر من 94٪ من الأصوات، على اعتماد ما سمّى حينها بـ "ضريبة الحرب" لمدة سنتين من 1916 إلى 1917، وهي تُحسب على المواد والأرباح، فكان هذا الأمر إيذانا بالتخلي عن المبدأ القاضي بأن الضرائب المباشرة تذهب إلى الكانتونات فيما تؤول الضرائب غير المباشرة إلى الكنفدرالية.
ومن أجل مواجهة الأزمات وتطوير مهمة الإتحاد الكنفدرالي مع مرور السنين، فرضت ضرائب أخرى مماثلة، بأسماء متعددة، ولفترات مختلفة، كما استحدثت رسوم أخرى غير مباشرة.
صلاحية فرض الضرائب، ولكن..
في عام 1958، كان التصويت الذي أقرّ فيه الشعب والكانتونات المادة الدستورية التي تنص على حق الحكومة الفدرالية في استيفاء الضريبة الفدرالية المباشرة، والتي استعيض عنها لاحقا بضريبة القيمة المضافة، ولكنها ظلت مع ذلك صلاحية محدودة. لذلك يتم استدعاء الناخبين قبل نهاية كل أجل إلى صناديق الإقتراع للتمديد. وبالفعل، منح المواطنون والكانتونات حتى الآن موافقتهم على التأجيل ثماني مرات، كان آخرها في عام 2004 بأغلبية نحو 74٪ من الأصوات، ومن المتوقع أيضا في استفتاء 4 مارس القادم، ما لم تحدث مفاجئة تقلب الموازين، أن تكون الموافقة على نطاق واسع.
لغاية الآن، باءت كل محاولات إلغاء التقييد الزمني بالفشل. فمن ناحية، يدرك المواطنون ضرورة فرض الحكومة الفدرالية لهذه الضرائب، وبالتالي يقومون في كل مرة بمنحها الموافقة المطلوبة. ومن ناحية أخرى، يضمن تحديد الصلاحية بأجل معيّن بقاء سيادة الشعب على القضية، حيث يتوجّب الرجوع إليه مع كل نهاية أجل.
إضافة إلى ذلك، يتطلب التجديد إجراء تحوير دستوري، يحتاج إلى حصوله على الأغلبية المزدوجة، أي الظفر بأغلبية أصوات الناخبين وبموافقة أغلبية الكانتونات في نفس الوقت.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
تم إيقاف التعليقات بموجب هذه المقالة. يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.