مغامرة تبدأ من العراق الى اليونان وتنتهي في المانيا
يواجه الشاب العراقي شاهين البالغ من العمر 21 عاما صعوبة في تذكر البلدان التي اجتازها في رحلته الطويلة جدا قبل ان يصل في نهاية المطاف الى المانيا آملا في العيش بسلام وأمان.
هل عبر صربيا او المانيا بعد اليونان؟ او بلغاريا على الأرجح؟ لا تعني له كثيرا في الواقع البلدان التي اجتازها. فإلى المانيا الوجهة الاولى لطالبي اللجوء في اوروبا، اراد هذا الشاب العراقي ان يذهب. ويقول بمزاح رافعا إبهامه علامة الفوز "المانيا هي البلد الاول".
وعلى غرار شاهين العبيدي الذي غادر قبل سنة بالضبط مسقط رأسه مدينة الموصل التي سقطت تحت نير تنظيم الدولة الاسلامية، يطرق مئات الاف المهاجرين باب المانيا. ومن المتوقع ان يرتفع عددهم الى 800 الف هذه السنة ليشكلوا بذلك رقما قياسيا غير مسبوق يتخطى توقعات السلطات الالمانية.
ويرسم هذا الشاب الذي يعتمر قبعة ويضع في اذنيه سماعة موسيقى على طريقة مغني راب اميركي، على وجهه ابتسامة فوق كوب القهوة بالحليب الذي يحمله، لدى جلوسه على شرفة مقهى قريب من ممر مائي في برلين.
ومع شقيقه الذي يبلغ الثامنة عشرة من عمره، ووالده (54 عاما)، يتجول في ارجاء مركز لطالبي اللجوء، منتظرا كما يأمل الحصول على الاوراق التي ستتيح لها استئناف دروسه "في اللغات الاجنبية والمعلوماتية".
وقال ان هذه "المسألة تستغرق وقتا طويلا. يقولون لنا الاولوية هي للاجئين السوريين". وفي هذه الاثناء ينصرف الى تعلم اللغة الالمانية. وقد احرز فيها تقدما سريعا.
ومع ذلك، يمرر في عباراته باللغة الانكليزية كلمات بالالمانية مثل "اوسفايس" التي تعني اوراق الهوية، او "غيدولد" التي تعني التحلي بالصبر في مركز طالبي اللجوء، لكن هذا الشاب المستعجل ليس قادرا على احتماله.
قبل سنة كان مشردا على الطرق، في مكان ما بين تركيا واليونان. وكان العبور بالسفينة للوصول الى بوابة الاتحاد الاوروبي، اكثر اللحظات خطورة في مغامرته. وترتسم على امواج بحر ايجه ملامح المآسي اليومية للمهاجرين.
وقد حالف الحظ شاهين الذي قال "يدفع اشخاص الف دولار للعبور. دفعنا مبلغا يفوق الالف دولار بكثير" لنحصل على ضمانة بأن تكون حمولة السفينة التي ستنقلنا اقل من حمولة السفن الاخرى. واضاف "كنا 50 او 60 وليس اكثر في سفينة مخصصة لنقل 40".
وعائلته ميسورة، وقد دفع والده عشرات الاف الدولارات بالاجمال لرحلة قام بها ثلاثة اشخاص من الموصل الى المانيا. وقال "دفعنا نصف المبلغ لدى انطلاقنا، والنصف الاخر لدى وصولنا". وتدبر المسألة مهرب كردي قبل مغادرة العراق.
وكان هاجسه الاول خلال الرحلة حماية هاتفه النقال حتى يتمكن من طمأنة والدته التي بقيت في بغداد. وقال "هذا تشرد عائلي وتمزق" لكن الرحلة كانت محفوفة بالمخاطر في نظرها.
وبعد اليونان، بدأت الايام التي لا تنتهي على متن سيارة يقودها سائق يعمل لحساب المهربين. وقال شاهين "كان صامتا، ويقود خلال الليل ولا يتوقف إلا صباحا" في الارياف النائية. اما وجبات الطعام فكانت تتألف من البسكويت ورقائق البطاطا، ولا شيء آخر.
وفي احدى محطات الرحلة بدول البلقان، احس شاهين بشيء من الضياع. وقال "كنت اعرف الى اي بلد وصلت، لكني في احد الايام رأيت علما لا اعرفه".
وفي المانيا، اراد التوجه الى مدينة هامبورغ الشهيرة بمرفئها في الشمال. وقال "كنت احلم بأن آتي الى هذه المدينة في احد الايام، بصفة سائح وليس بصفة لاجىء". ثم تحدث عن حياة على وقع الاعتداءات وعمليات الخطف والرعب الذي يبثه تنظيم الدولة الاسلامية، في العراق.
وقال "في العراق، كان لا يمكنني ارتياد اماكن تؤمها اعداد كبيرة من الاشخاص. انه امر محفوف بالمخاطر". اما في الموصل، فكانت ساعات يومه تمضي على وقع الاتصالات الهاتفية، الى والده ووالدته، ليقول فقط نعم، الامور على ما يرام، واننا وصلنا سالمين الى المدرسة او الى الكلية.
وفي الحادية والعشرين من عمره، لم يعرف إلا الاضطرابات في بلاده، لذلك يقول "احلم بأن اعيش حياة يسودها الامان والسلام".