Navigation

اربع سنوات من المعارك حولت اسواق حلب القديمة الى ثكنة عسكرية

سوق خان الوزير المدمر في وسط حلب الاثري، في 16 ايلول/سبتمبر 2016 afp_tickers
هذا المحتوى تم نشره يوم 17 سبتمبر 2016 - 07:34 يوليو,
(وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب)

عند احد مداخل حلب القديمة، يجلس ابو نديم بثياب رثة على احد الارصفة يعزف على الناي الحانا حزينة تعكس صورة اسواق اثرية كانت تعج يوما بالناس لتتحول الى مكان شبه مهجور يعيش فيه القلة من السكان بين الركام وثقوب القذائف والرصاص.

وكما حال مدينة حلب، انقسمت المدينة القديمة في العام 2012 واثر معارك عنيفة، بين احياء واقعة تحت سيطرة الفصائل المعارضة واخرى تحت سيطرة الجيش السوري.

وخلال اربع سنوات من معارك جعلتها خط تماس بين الاطراف المتقاتلة، تحولت حلب القديمة الاثرية الى ثكنة عسكرية كبيرة حتى بات الجنود هم زبائن من تبقى من خياطين وحلاقين وتجار في منطقة غادر غالبية سكانها.

في حارة بحسيتا الواقعة تحت سيطرة قوات النظام في المدينة القديمة، لا يزال الخياط زكريا موصلي (45 عاما) مواظبا على مهنته، الا ان الزبائن هم الذين تغيروا.

ويقول موصلي لوكالة فرانس برس، وهو يقص قماشا عسكريا، "أنا الخياط الوحيد في حلب القديمة".

ويضيف "كنت اعمل في السابق في صناعة القبعات الملونة للاطفال والنساء والشباب، اما اليوم فبت متخصصا بصناعة القبعات العسكرية، كون المنطقة اصبحت برمّتها منطقة عمليات عسكرية وينتشر فيها الجنود السوريون".

ويتابع "لدي زبائن اوفياء يأتون من داخل حلب، ولكن معظم زبائني حاليا من الجنود والضباط، واصبحت ماهرا في صناعة القبعات العسكرية".

رفض زكريا وعائلته مغادرة منزلهم، واصروا على البقاء برغم المخاطر، ويؤكد زكريا "هنا منزلي، وهنا عملي، وهنا كل ذكرياتي. لم أخرج برغم خطورة المكان، ولست نادما على قراري ابدا".

وفي غرفة مجاورة لمنزله، وضع زكريا بعض آلات الخياطة، يأتي بالقماش من الاحياء الغربية ويعود بها الى حلب القديمة بعد اجتياز النقاط العسكرية ومناطق اخرى تتسم بالخطورة اكان بسبب القذائف او بسبب رصاص القناصة.

تعد حلب واحدة من اقدم مدن العالم وتعود الى اربعة آلاف عام قبل الميلاد. الا ان المعارك التي شهدتها في العام 2012 دمرت المدينة القديمة واسواقها المدرجة على لائحة اليونيسكو للتراث العالمي.

وبات الركام يغلق الكثير من حارات المدينة القديمة، واخرى بدت معتمة بقناطرها الاثرية المتضررة. واغلقت بعض المحال في الحارات الضيقة بالاقفال في حين تحطمت ابواب محلات اخرى جراء المعارك. اما الجدران فامتلأت بثقوب الرصاص.

-فنادق للنازحين-

ولحقت بسوق المدينة التاريخي تحديدا اضرار فادحة نتيجة المواجهات والحرائق، فيما تحولت مئذنة الجامع الاموي العائدة الى القرن الحادي عشر الى كومة من الركام.

وقرب القلعة الثرية، بدا سوق خان الوزير الواقع تحت سيطرة قوات النظام مدمرا تماما وخاليا سوى من مقاتل بلباس عسكري يحمل بيده طفلا وخلفه امرأة يمشيان سويا بين الحطام.

وفي منطقة باب الفرج عند مدخل المدينة القديمة، اتخذ الحلاق محمد زكريا (65 عاما) جزءا بسيطا من قهوة كبيرة تكسر زجاجها بالكامل مكانا لممارسة مهنته.

ويقول "المنطقة كانت سياحية بامتياز، زبائني جميعهم كانوا من السياح او السوريين من المحافظات الاخرى، اما اليوم ومع تحولها الى ثكنة عسكرية بات زبائني من الجنود والضباط".

وطالما تعرضت المنطقة التي يتواجد فيها محمد زكريا للقصف الا ان ذلك لم يمنعه من مواصلة عمله الذي وصفه بـ"الجيد" بسبب الجنود.

وعلى مقربة من محل الحلاقة، يقف يحيى قطيش (57 سنة) امام بسطة من الخضار والفاكهة اقتصرت على البندورة والباذنجان والفلفل والبطيخ، وبعض البيض.

وجد قطيش في هذه البقعة مكانا مناسبا لتجارته لجذب الزبائن من النازحين والعسكر على حد سواء.

ويقول، اثناء بيعه البيض لبعض الجنود، "هناك الكثير من النازحين الذين لجأوا الى هذه المنطقة لان اسعار الايجارات متدنية جدا، كما يوجد فنادق فارغة تماما اتخذوها مكانا لهم".

وبالاضافة الى النازحين، اصبح العسكر المنتشرون في خطوط التماس زبائن يحيى للتزود بحاجياتهم.

صورة بالمجان-

في حارة اخرى في السوق القديمة، يجلس المصور سركيس (66 عاما) على كرسي أبيض أمام محلّه الذي اعاد تنظيفه بعدما اصيب باضرار نتيجة انفجار قذيفة بقارورة غاز.

ويقول لفرانس برس "كنتُ معتادا على رؤية عشرات السياح يدخلون الى محلي (...) اما اليوم، لم يبقَ سوى الجنود والمقاتلين يتردّدون للاطمئنان عليّ وليس لالتقاط الصور".

لم يبق سركيس في المدينة القديمة حفاظا على مصدر رزقه، بل لتعلقه بمكان ولد وكبر فيه.

ويروي "هذه الامتار الصغيرة من المحل هي مصدر حياة بالنسبة لي وليست مصدر رزق، لا اجني اموالا ابدا من البقاء هنا".

يعيش سركيس مع زوجته في منزل مجاور، ويتردّد عليهما ابناؤهما الأربعة اسبوعيا لتزويدهما بالمال والحاجيات.

ويقول "ألحّ أبنائي كثيرا كي أخرج من المدينة القديمة، لكنّ ليس سهلا أن أعتاد على مكان آخر. ولدتُ هنا، وأريد أن أموت هنا".

يتمنى سركيس ان يأتيه زبون واحد يسأله عن بطارية للكاميرا مثلا، وان اتى "ساعطيه ما يريده مجانا".

غيُر كلمة السر

هل تريد حقاً حذف ملف المستخدم الشخصي الخاص بك؟

لا يمكن حفظ اشتراكك. حاول مرة اخرى.
شارف على الإنتهاء... نحن بحاجة لتأكيد عنوان بريدك الألكتروني لإتمام عملية التسجيل، يرجى النقر على الرابط الموجود في الرسالة الألكترونية التي بعثناها لك للتو

اكتشف تقاريرنا الأكثر طرافة كل أسبوع!

اشترك الآن واحصل مجانًا على أفضل مقالاتنا في صندوق بريدك الإلكتروني الخاص.

توفر سياسة خصوصيّة البيانات المعتمدة من طرف هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية (SRG – SSR) معلومات إضافية وشاملة حول كيفية معالجة البيانات.