نحن لا نطالب بالقمر!
بعد لوزان، اقتحم مهاجرون غير شرعيون بداية الاسبوع، كنيسة سان بول في مدينة فريبورغ، ليفرضوا مرة اخرى على الجميع رؤية واقع اليم لكنه مغمور في سويسرا.
مرة اخرى، يلجأ عمال موسميون انتهت صلاحية تاشيراتهم، وطالبوا لجوء رفضت ملفاتهم ومهاجرون دخلوا سويسرا بصفة غير شرعية، الى اسلوب غير معهود للفت انظار المسؤولين والراي العام ووسائل الاعلام الى مطالبهم.
عشية الاثنين الماضي، اقتحم خمسة عشر شخصا من بينهم خمسة اطفال، كنسية سان بول Saint Paul في مدينة فريبورغ، للمطالبة بتسوية جماعية لكل الحالات المشابهة لهم في سويسرا.
هذا التحرك حصل على دعم وتاييد مركز الاتصال للسويسريين والمهاجرين، وياتي بعد اسابيع قليلة من خطوة مماثلة تمت في مدينة لوزان من طرف لاجئين كوسوفيين، قررت السلطات ترحيلهم الى بلادهم.
واقع مرير
المنظمات الانسانية او الحقوقية الداعمة لهذه التحركات، تشدد على ان ما يحدث، يفرض على المجتمع المدني وعلى السلطات السياسية، الانكباب على الوضعية الاليمة التي يعيشها في سويسرا المهاجرون السريون، خصوصا في ظل اقرار المسؤولين الفدراليين بعدم توفر ارقام دقيقة عن العدد الاجمالي لهم.
ومع اقتصار مسؤولية الملاحقة الميدانية للظاهرة على السلطات المحلية في بلد يتميز باختلاف تشريعاته ووسائل عمله من كانتون لاخر، فان هذا الملف يبدو في طريقه الى الخروج عن السيطرة بعد ان ادت عوامل سياسية واقتصادية، الى ارتفاع كبير في عدد الاشخاص المعنيين.
فعلى سبيل المثال، تشير منظمة Racisme SOS، الى ان عدد المهاجرين السريين او غير الشرعيين في كانتون فريبورغ لوحده، يتراوح ما بين سبعة الاف وعشرة الاف شخص. في المقابل تحدثت مصادر غير رسمية عام سبعة وتسعين عن وجود ما لا يقل عن مائة وخمسين الف شخص مقيم بصفة غير شرعية فوق الاراضي السويسرية.
تلبية احتياجات سوق العمل
هذا العدد الضخم بالمقاييس السويسرية، لم يتسبب لحد الان في اثارة مشاكل كبيرة، اذ ان عودة الانتعاش الى الالة الاقتصادية، ترافق مع ازدياد الطلب على اليد العاملة غير المؤهلة، وخاصة في قطاعات الزراعة والبناء والسياحة.
لذا، فان المهاجرين غير الشرعيين لا يجدون صعوبة تذكر في الحصول على عمل، خصوصا بعد التضييقات المتتالية التي ادخلت على قوانين اليد العاملة، والتي ادت الى الغاء تراخيص العمل الموسمية والى التشدد في منح تاشيرات دخول للعاملين غير الاوروبيين.
وفي ظل احتياج ارباب العمل للمزيد من اليد عاملة للاستجابة للطلبات الجديدة، تحول ما يعرف بالعمل "الاسود"، الى ظاهرة قائمة بل الى رديف اساسي يدعم النمو الاقتصادي ولكن على حساب الامن والضمانات الاجتماعية باعتراف العديد من المسؤولين، الذين يقدرون الخسائر المترتبة عن الظاهرة بحوالي خمسة وثلاثين مليار فرنك سنويا، لا تحصل عليها صناديق التامين الصحي والاجتماعي.
مأزق السلطات الفدرالية
معرفة الظاهرة لا يعني الاعتراف بها، فعلى الرغم من المطالب المتكررة الصادرة عن العديد من القطاعات الاقتصادية والداعية الى اصدار ما يشبه العفو العام لتسوية اوضاع كل المهاجرين السريين المقيمين والعاملين في سويسرا، الا ان برن لازالت متمسكة بموقفها التقليدي.
هذا الموقف يتلخص في انه لا مجال لتقديم تنازلات للاشرعية، أي ان من يختار العيش في السرية، فعليه ان يتحمل تبعات قراره كاملة. لكن هذه المعالجة "القانونية – الحرفية"، تثير غضب ورفض المنظمات غير الحكومية والهيئات الانسانية، التي تتابع عن كثب ملف الهجرة السرية في سويسرا.
وتدعو هذه المنظمات السلطات المحلية و الفدرالية الى دراسة الوضع القائم بكثير من التروي والعمل على الاستجابة لمطالب هذه الفئة من المقيمين في سويسرا، وهي مطالب بسيطة ومحدودة في نهاية المطاف.
فهم لا يطالبون باكثر من تسوية قانونية لاوضاع حولت حياتهم وحياة عائلاتهم واطفالهم الى جحيم يومي، يخافون فيه في كل لحظة من ان يكتشف امرهم ويطردوا من البلاد. وبما ان معظم المهاجرين السريين يعملون بشكل غير شرعي، فيكفي مثلا ان تتحول عقود عملهم غير المعلنة الى عقود قانونية ومعترف بها، ليلتحقوا بالنسق العادي للحياة ولتتمكن زوجاتهم واطفالهم من الحياة بشكل طبيعي.
وفي انتظار القرارات التي قد تقدم عليها السلطات السويسرية، تجددت الدعوات الى الاقتداء بحكومات البلدان المجاورة في فرنسا والمانيا وايطاليا، التي اتخذت في السنوات القليلة الماضية، قرارات جريئة واستثنائية سمحت بتسوية مئات الالاف من الحالات المشابهة، بما وضع حدا لمآس بشرية وساعد على تلبية احتياجات سوق الشغل المتزايدة.
ولعل ما جاء في افتتاحية صحيفة لوتون الصادرة في جنيف يوم الخميس، كان افضل تلخيص لهذه القضية. فقد دعت الصحيفة الى وضع حد لحالة الانفصام القائمة في سويسرا، حيث يرغب الجميع في الحصول على ثمار عمل المهاجرين السريين، ولكن .. بدون مهاجرين!
سويس انفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.