فرص السياسة عبر بوابة الاقتصاد
وسط أجواء مشحونة بسبب التهديدات الأمريكية، اختتمت يوم الأحد 10 نوفمبر الجاري الدورة الخامسة والثلاثون لمعرض بغداد الدولي والتي تواصلت عشرة أيام.
وشاركت في هذه الدورة، وهي الأكبر منذ اثني عشر عاما، تسع وأربعون دولة عربية وأجنبية، من بينها دول تشارك للمرة الأولى.
شهد حفل افتتاح الدورة الخامسة والثلاثين لمعرض بغداد الدولي، عدد من وزراء التجارة والاقتصاد والصناعة في أقطار عربية. كما حضره ممثلون رسميون على مستوى وكلاء الوزارات في دول أخرى، إضافة إلى رؤساء عدد من الشركات العالمية التي ترتبط مع العراق بعلاقات تجارية وثيقة، فيما تم افتتاحه من قبل نائب رئيس الجمهورية العراقي، طه ياسين رمضان.
وشأنها شأن الدورة السابقة. فقد شهدت الدورة الحالية للمعرض العراقي تظاهرة وصول عدد من الوفود المشاركة بطائرات تم تسييرها خصيصا لهذا الغرض، وذلك للمرة الثانية منذ اثني عشر عاما. وبرغم صغر مساحته نسبيا، فقد كان الجناح السويسري هذا العام متميزا من ناحية حجم الشركات المساهمة وطبيعتها وطريقة التنظيم والعرض.
مشاركة سويسرية مهمة
وقال السيد ويللي فالزر، مدير الجناح، إن وزارة الاقتصاد السويسرية ترعى مشاركة الجهات السويسرية في المعرض العراقي، الأمر الذي يعني حرصا رسميا على التواجد في بغداد حتى في ظل ما يحيط بهذا البلد من مخاطر، موضحا أن هذه هي المشاركة الثانية عشرة للمؤسسات السويسرية في معرض بغداد الدولي.
وأكد مدير الجناح السويسري، أن مستقبل العلاقات الاقتصادية بين البلدين واعد ويُبشر بالخير، لكنه قال إن فرض العقوبات على العراق ألحق أضرارا جدية بمعدلات التبادل التجاري بين الطرفين. ففيما كان حجم التبادل بين العراق وسويسرا قبل فرض العقوبات على بغداد يصل إلى 600 مليون دولار، انخفض إلى نحو 300 مليون دولار فقط في إطار اتفاق النفط مقابل الغذاء، الذي تشرف عليه الأمم المتحدة، ويمول استيرادات العراق من السلع الأساسية.
وشاركت في المعرض العراقي إحدى عشرة شركة سويسرية تتوزع اهتماماتها على مختلف الميادين، في مقدمتها المطاحن والمضخات وقطاع الكهرباء والتقنيات والمعدات الهندسية وشركات الصناعات الغذائية.
وحظي الجناح السويسري باهتمام متميز من قبل المسؤولين العراقيين، حيث زاره نائب رئيس الجمهورية طه ياسين رمضان، فضلا عن عدد من الوزراء العراقيين. وكان انطباع الجميع جيدا عن حجم ومستوى المشاركة السويسرية، ويتوقع أن يتم خلال الأيام القليلة المقبلة عقد صفقات تجارية بين العراق وشركات سويسرية.
وقال فريتز كون، أحد رجال الأعمال المساهمين في المعرض، إن هناك رغبة أكيدة لدى الشركات السويسرية لتطوير العلاقات مع العراق، مشيرا إلى أن تحقيق السلام في هذا البلد سيمنح الشركات السويسرية مزيدا من الفرص الطيبة، ويحقق لها حظا أوفر في السوق العراقية، مؤكدا أن سويسرا تنتمي إلى معسكر السلام، وتسعى إلى أن يسود السلام في العالم.
مشاركة عربية ودولية متميزة
وكانت مشاركة كل من الإمارات العربية المتحدة ولبنان ومصر والسعودية والأردن، الأكبر بين المشاركات العربية. فقد شاركت دولة الإمارات العربية المتحدة على نحو واسع في فعاليات المعرض العراقي، حيث انضمت 40 شركة إماراتية إلى الجناح الرسمي في المعرض.
وتعد دولة الإمارات القاعدة الخلفية لاستيرادات العراق في هذه المرحلة، حيث شهدت السنة الأخيرة ارتفاعا كبيرا في حجم التبادل بين البلدين، خاصة بعد إبرام اتفاق التجارة الحرة بينهما قبل عام من الآن.
وأعلنت جمعية التسويق الصناعي اللبنانية التي أشرفت على تنظيم الجناح اللبناني، أن وفدها الذي ضم نحو 200 من رجال الأعمال والصناعيين، إضافة إلى الوفد الرسمي المشارك والذي وصل إلى بغداد على متن طائرة في رحلة جوية مباشرة من بيروت، يعد الأكبر بين الوفود العربية.
وكانت المشاركة الأردنية في دورة المعرض العراقي هذا العام الأكبر بين المشاركات العربية، حيث شاركت أكثر من ثمانين شركة أردنية فيه، مقابل سبعين شركة اشتركت في دورة العام الماضي لمعرض بغداد الدولي، كما حضر وفد رسمي أردني برئاسة السيد محمد البطاينة، وزير الطاقة الأردني إلى المعرض.
وتعد المشاركة المصرية الثانية على المستوى العربي، حيث تشارك في الجناح المصري سبعون شركة تمثل مختلف المجالات التجارية والصناعية في مصر.
وشاركت إيران بحجم كبير ومتميز، حيث أن المساحة الإجمالية للجناح الإيراني هي الأكبر بين الأجنحة المختلفة للمعرض، وبلغ عدد الشركات الإيرانية 55 شركة مختلفة الاهتمامات، وهو أمر يكتسب بُعدا استثنائيا في هذا الظرف، خصوصا بعد اتفاق الجانبين على توسيع تعاونهما التجاري والاقتصادي في الميادين كافة.
ويبدو أن ألمانيا قررت أن تكون صاحبة أكبر مساهمة في المعرض العراقي هذا العام، حيث تجاوز عدد الشركات الألمانية مائة شركة. ويأتي ذلك في أعقاب الأولوية التي منحها العراق للجهات الألمانية للاستفادة من عقود اتفاق النفط مقابل الغذاء في ضوء معارضة ألمانيا النوايا والمخططات الأمريكية لتوجيه ضربة عسكرية للعراق.
الاعتماد على الذات أولا
غير أن المشاركة العراقية تبقى الأكبر على الصعيدين الرسمي والخاص، حيث شاركت جميع المؤسسات العراقية الحكومية بأجنحة خاصة تمت تهيئتها لعرض منتجاتها، كما ساهمت شركات ومصانع في القطاع الخاص المحلي في المعرض وبنوعية متميزة هذا العام.
وأكد وزير التجارة العراقي، الدكتور محمد مهدي صالح، أن المشاركة الواسعة للأقطار العربية والدول الأجنبية الأخرى في الدورة الحالية لمعرض بغداد الدولي، تعكس اهتمام هذه الجهات بالسوق العراقية وثقتها بقدرتها على استيعاب منتجاتها في المجالات كافة، كما تعد مؤشرا إيجابيا على تطور الاقتصاد العراقي وتناميه، رغم ظروف الحظر الدولي المفروض على بغداد منذ أغسطس 1990.
وبلغت المساحة التي تم تخصيصها للعرض هذا العام أكثر من 46 ألف متر مربع تشمل القاعات الداخلية والمساحات الخارجية. وقد عوِّل العراق كثيرا على المشاركة العربية والدولية الواسعة في أعمال دورات المعرض والفعاليات الاقتصادية التي أقيمت على هامشه، باعتباره الحدث الاقتصادي الأبرز في العراق خلال هذه المرحلة، حيث تعتبر بغداد تلك المشاركة دليلا على تآكل الحصار وسقوطه عمليا.
كما تعتبرها مؤشرا على سقوط قرار تهميش العراق وعزله اقتصاديا وسياسيا، إضافة إلى ما تحمله مشاركة هذه الدول والشركات من معاني الرفض للسياسة الأمريكية المعادية للعراق، والرامية إلى شن عمل عسكري ضده والإطاحة بنظامه السياسي.
وتتيح مشاركة الدول والشركات في المعرض العراقي الفرصة الأوسع أمامها للاستفادة من العقود والتسهيلات التي يمنحها العراق بموجب اتفاق النفط مقابل الغذاء، والتي تعد فرصا ثمينة لتلك الجهات.
ويذكر أن معرض بغداد الدولي، الذي بدأ أول دوراته عام 1957، توقف في مطلع التسعينات إثر اجتياح الكويت، وعاود نشاطه منذ عام 1993، حيث شاركت في دورته الأولى بعد حرب الخليج الثانية سبعة أقطار عربية فقط. لكنه شهد منذ ذلك الوقت نشاطا ملحوظا على صعيد إقامة معارض خاصة لبعض الدول العربية والأجنبية، كما أقامت مؤسسات عراقية عديدة معارض متخصصة في أجنحته المختلفة.
استقراء سياسي
إن الاستقراء السياسي هو الذي يعطي للمعرض العراقي أبعاده الاستثنائية هذا العام. فلأول مرة منذ أكثر من إثني عشر عاما، عبرت مائة شخصية من كبار رجال الأعمال في المملكة العربية السعودية، الحدود بين البلدين بشكل رسمي ومباشر، معلنة سقوط حجر جديد من الحصار المطبق على العراق.
وقد ارتفع علم المملكة العربية السعودية في سماء بغداد لأول مرة منذ أغسطس 1990، حيث كان الجناح السعودي محطة مهمة توقف عندها كبار المسؤولين العراقيين الذين زاروا المعرض، وفي مقدمتهم نائب رئيس مجلس قيادة الثورة عزة إبراهيم، ونائب رئيس الجمهورية طه ياسين رمضان، فضلا عن عدد من الوزراء العراقيين.
وتعبيرا عن تنامي العلاقات السياسية بين العراق وإيران، فقد بدأت اللجنة الوزارية المشتركة بين العراق وإيران أول اجتماعاتها في العاصمة العراقية بعد ربع قرن من توقف أعمالها.
وتعكس هذه الخطوة تنامي العلاقات بين بغداد وطهران، كما تعكس وجود إرادة مشتركة على تجاوز مخلفات المرحلة الماضية، والشروع في بناء علاقات مستقبلية جديدة بين الجارين اللذين خاضا على مدى ثمان سنوات أعنف وأطول حرب في المنطقة.
ومن كل هذا، يمكن استنتاج السؤال التالي: هل أن فرص الانفراج السياسي متاحة في العراق عبر بوابة الاقتصاد؟ أم أن فرص السياسة شيء، وعروض السوق العراقي بكل إغراءاتها وقدراتها شيء آخر؟
مصطفى كامل - بغداد
معطيات أساسية
هذه الدورة هي 35 في معرض بغداد الدولي
وهي الدورة الأكبر والأهم منذ نهاية حرب الكويت
49 دولة تشارك هذا العام في معرض بغداد
شكلت مشاركة السعودية في المعرض سابقة منذ نهاية حرب الكويت

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.